in

هل تغري فرص العمل بأمريكا اللاتينية مغاربة أوروبا

OLYMPUS DIGITAL CAMERA

 لا يستبعد خالد، مغربي مقيم بإسبانيا، أن يستغل فرص العمل التي تناسب مستواه التعليمي من حيث أتت، ولن يتردد في قبول عرض عمل يأتيه من بلدان أمريكا اللايتينة، وخاصة من بلاد مثل البرازيل أو الأرجنتين أو التشيلي، بعد أن تراجعت فرص العمل أمامه بسبب الأزمة الاقتصادية، واستبدت العطالة بعدد كبير من الشباب المؤهلين ، هذا في الوقت الذي تستعد فيه هذه البلدان من أمريكا الجنوبية، التي يشهد  اقتصادها نموا لافتا  وخاصة البرزيل، للعمل على تكييف قوانينها لاستقطاب الأدمغة العاطلة في أوروبا وخاصة في بلدان الجنوب وبينهم عدد من المغاربة.

الانتعاش الاقتصادي لامريكا اللايتينية هل  يغير خريطة مسالك الهجرة وتؤثر في وجهة الهجرة المغربية

في فترة ما بعد الثمانينات  تحولت أمريكا الجنوبية إلى واحدة من أكبر المناطق المصدرة  للهجرة الدولية باتجاه القارتين الأوروبية وأمريكا الشمالية، بحثا عن فرص العيش والعمل الكريم بعد استحكام  الاضطرابات السياسية و العسكرية  ببلدان المنطقة  وتاثير ذلك على فرص العمل والاستقرار، بعدما كانت أرضا لاستقطاب المهاجرين من مختلف بقاع العالم.  واليوم ومع بداية القرن الواحد والعشرين تعود أمريكا اللاتينية لتغير من هذه  الصورة وتتحول إلى منطقة تعد بفرص للعمل  وتحسين ظروف العيش بالنسبة إلى الأفراد، وذلك على إثر تقارير محلية تتحدث عن نمو اقتصادي لافت لبلدان المنطقة، وعن أخرى تفيد بحاجتها  إلى اليد العاملة وخاصة المؤهلة، في الوقت الذي تعصف فيه العطالة والأزمة الاقتصادية بفرص العمل الممكنة أمام طالبي العمل في أوروبا.

ويتحدث الخبراء عن أن هذه المعطيات الجديدة قد ترسم “طريقا سيارا” جديدا للهجرة الدولية باتجاه أمريكا اللاتينية، وخاصة من  دول جنوب أوروبا بسبب استحكام الركود الاقتصادي المستبد بمعظم الدول الأوروبية، و نظرا كذلك لرغبة دول كبيرة في أمريكا اللاتينية في مقدمتها البرازيل في تشجيع الهجرة نحوها وخاصة الهجرة المؤهلة.

وقد يمس هذا التحول الهجرة المغربية لاعتبارين: يتعلق أولهما بكون المغاربة يشكلون عنصرا مهما داخل حركة الهجرة في العالم،  حيث يتوفر على جالية تقدر بما يقارب  5 مليون نسمة، ثم أن نسبة مهمة  من المغاربة  المقيمين بأوروبا بدت عليهم تبعات الأزمة الاقتصادية وكانو أكبر الجاليات المتأثرة بها وتفشت فيهم البطالة ومست عددا من  المؤهلين منهم،  ولا يخفون رغبتهم في  “هجرة ثانية” باتجاه مواطن فرص العمل. ومن ناحية أخرى  أكدت دول أمريكا اللاتينة وعلى رأسها  البرازيل القوة الاقتصادية الأولى في المنطقة والسادسة في العالم على أن استراتيجيتها المتعلقة باستقطاب اليد العاملة  المؤهلة ستتركز أساسا على أوروبا،  التي تشهد معظم بلدانها أزمة اقتصادية تداعت على فرص الشغل بكثير من التراجع والانحصار.

أرقام اقتصادية دالة بين دول أوروبية وأمريكا اللاتينية

تدل الأرقام الرسمية المتعلقة بنسبة العطالة في البلدان الأوربية عن واقع فرص العمل من ناحية، وترسم في الآن نفسه مؤشرات  جديدة للهجرة ولوجهاتها، فمع كل ارتفاع لمعدل العطالة تعظم الاستعدادات لدى الأفراد في الهجرة إلى آفاق جديدة للبحث عن فرص العمل، وبالتالي ترسم خريطة طريق جديدة لحركة الهجرة نحو وجهات جديدة .

تصل معدلات العطالة في بعض دول أوروبا إلى مستوى مقلق ، ففي إسبانيا أشارت إحصائيات أخيرة في البلاد عن بلوغ نسبة العطالة إلى أكثر من  23 في المائة، وفي اليونان سجلت 19،2 في المائة و في البرتغال بلغت نسبة العاطلين 13،6 في المائة، وكل هذه الدول تخضع لسياسات تقشف وإصلاحات تهدد مزيدا من فرص العمل القائمة.

وفي أمريكا الجنوبية تكشف التقاريرعن معدلات للعطالة مغايرة لما هو مسجل في هذه البلدان الأوروبية، حيث تبلغ نسبة العطالة في البرازيل  6 في المائة فقط، وفي الأورغواي 6،2 في المائة  وفي الشيلي 6،6 في المائة، ثم الأرجنتين6،7 في المائة، ويصاحب هذه المعطيات في هذه البلدان من أمريكا الجنوبية  مؤشرات أخرى  تفيد برغبة حكومات هذه البلدن في استقطاب اليد العاملة الأجنبية.

وحسب تقارير رسمية من دول مثل البرازيل فإن سلطات البلاد تتحدث عن حاجتها إلى مليون و 900 ألف مهاجر مؤهلين لكل القطاعات الصناعية، ولم تتوقف السلطات البرازيلية عند حد الإعلان عن هذه الأرقام بل اتخذت إجراءات فعلية مثل قيام حكومة ديلما روسيف بتقديم مشروع خاص يتعلق بتسهيل إجرءات منح التأشيرة للمهاجرين المؤهلين. ومن النعم الظاهرة للازدهار الاقتصادي على  البرازيل اتساع طبقتها الوسطى ليسجل رقما غير مسبوق وهو 90مليون برازيلي يصنفون ضمن الطبقة الوسطى في البلاد.

 ومن جهتها تقوم الأوروغواي بإجراءات مماثلة، فقد أعلن رئيس البلاد خوصي موخيكا عن “حاجة بلاده الماسة إلى يد عاملة مؤهلة في قطاعات مختلفة “،  وكشف عن أن حكومة بلاده تدرس إجراءات مشابهة للإجراءات التي اتخذتها حكومة البرازيل، بل الأبرز من ذلك كله هو قيام الّأورغواي بتحفيز عملية عودة المهاجرين من أبناء الأورغواي إلى بلادهم لشغل جزء مهم من المناصب التي تعتزم خلقها الحكومة لهذه السنة والتي تقدر ب25000 منصب.

 وفي تشيلي يتحدث المسؤلون الحكوميون عن خصاص في اليد العاملة سواء المؤهلة أو غير المؤهلة، ويمس هذا الخصاص قطاعات عديدة منها المناجم والبناء والفلاحة. وتؤكد السلطات التشيلية على حاجتها الملحة إلى مهاجرين مؤهلين كما أوضح ذلك كاتب الدولة في العمل برونو باراندا. وكشف باراندا  عن أن بلاده خلال الأربع سنوات المقبلة تحتاج إلى تغطية 44000 منصب شغل في المناجم فقط، أما في القطاع الفلاحي فالعدد المطلوب تغطيته هو  38000 فرصة عمل.

وفي الأرجنتين أشار تقرير صادر عن إيكولاتينا وهي مؤسسة استشارية أرجنيتية، إلى أن ثمة حاجة كبيرة لدى قطاعات مختلفة في البلاد إلى يد عاملة مؤهلة.

 وفي بنما أفاد وزير الاقتصاد البنامي فرانك ديليما أن العطالة في بلاده لا تتعدى نسبة 4،5 في المائة حسب إحصائيات العام 2011، وأن بلاده الآن بعد  أن ضمنت ما يسمى “بالعمل الشامل”، تفكر في خلق يد عاملة مؤهلة.

وتسجل بلدان أمريكا الجنوبية الأخرى معدلات منخفضة من العاطلين وإن كان التحدي الأكبرلديها هوأن نسبة مهمة من العاملين فيها شروط العمل المتوفرة غيرمناسبة.

وحسب خبراء ماليين في المنتدى الثاني لمستثمري أمريكا اللاتينية وآسيا والباسيفيك التي جرى تنظيمه في هونكونغ في السابع والثامن من فبراير 2012 ، فإن أمريكا اللاتينية والجنوبية على وجه خاص تعيش أفضل مرحلة لتقود التعافي الاقتصادي العالمي، فالتنوع الاقتصادي والنمو السريع للطبقة الوسطى عجلت بدوران عجلة التطورالاقتصادي دون الاعتماد على اقتصادات أجنبية، وأبرزهذه الدول التي تتصدرالقائمة هناك البرازيل والتشيلي وكولومبيا.

أمريكا الجنوبية وجهة ممكنة امام المهاجرين المؤهلين المغاربة

تشكل الجالية المغربية أبرز الجاليات الأجنبية في أوروبا، وهي الثانية من حيث العدد بعد تركيا في تصنيف الجاليات الأجنبية المقيمة بالقارة العجوز، حيث  يقدر مجموعها حوالي مليوني نسمة، كما تعتبر واحدة من أبرز الجاليات التي مست أفرادها العطالة بحدة كبيرة، وبينهم العديد ممن يمكن تصنيفهم مهاجرين مؤهلين،وخاصة في بلدان مثل فرنسا وبلجيكا وهولندا التي ولدت فيها الهجرة المغربية جيلا ثانيا ثم ثالثا. في فرنسا بلغت الهجرة بين الأجانب 19في المائة حسب إحصاءات 2011، وفي إسبانيا بلغت حوالي 60 في المائة في صفوق الجالية المغربية، وفي إيطاليا التي بلغت فيها العطالة نسبة 21 في المائة كان المهاجرون المغاربة اكبر ضحاياها.

ولعل هذا الزحف المتعاظم للعطالة على شريحة واسعة من المهاجرين المغاربة  المنتشرين في أوروبا، في ظل أرقام ومعطيات تتحدث عن تمدد عمر الأزمة الاقتصادية وتأخر تعافي اقتصادات العديد من البلدان الأورويية خاصة التي تستقبل نسبة مهمة من المهاجرين مثل إسبانيا وإيطاليا وغيرهما، جعل المهاجرين المغاربة المقيمين في بلدان أوروبية من الانفتاح على كل اتجاهات الهجرة الجديدة التي  تنبثق مع تداعيات واقع  الأزمة الاقتصادية. في هذا السياق يقول خالد  طالب  باحث في الفزياء بجامعة  إشبييلية إنه ” لن يتردد في  استغلال عروض العمل التي توفرها بعض بلدان أمريكا اللاتينية، وخاصة بلدان مثل البرازيل والتشيلي والأرجنتين”، ثم يضيف:”هنا في إسبانيا يتحدثون عن دخول البلاد عاما آخر في الركود الاقتصادي، مما يعني قد يطول أمر الحصول على شغل”. ويؤكد، أن بعض بلدان أمريكا الجنوبية “مهتمة بجلب الأجانب المؤهلين، معنى ذلك أنها سوف تقدم عروضا جيدة”.

 ومن ناحية أخرى اعتبر الخبير المغربي في قضايا الهجرة عبد الحميد البجوقي المقيم بإسبانيا في حديث إلى ألف بوست :” أن هناك حالات من المغاربة من تستطيع أن تتوجه للعمل في بعض بلدان أمريكا اللاتينية”وأضاف مبرزا أن المغاربة المؤهلين، أو ما وصفهم “ب الأدمغة ” “ربما يقبلون بالهجرة” إلى أمريكا  اللايتينة، وإن اعبتر في المقابل أن ” يكون عامل اللغة في بلدان مثل البرازيل عاملا قد يثني بعضهم “، وأشار في المقابل إلى معرفته بحالات من المهاجرين المغاربة مؤهلين هاجروا إلى التشيلي للعمل هناك.

ويستبعد خالد أن يتوجه بعض مواطنيه من المهاجرين المغاربة للعمل في بلدان أمريكا اللاتينية في الحرف والمهن الأخرى، على اعتبار أنها لن تكون مغرية مثل الوظائف التي تتسقطب المؤهلين.

طريق الهجرة المغربية إلى أمريكا اللاتينية ليست حديثة،  فقد بدأت منذ العام 1860، واستهلها اليهود المغاربة، وخاصة الذين كانوا مقيمين بمدينة تطوان، حسبما أكد ماريو إدواردو كوهن في دراسة له بعنوان :” اليهود المغاربة في الأمازون”.

وتشير معطيات أخرى إلى هجرة المغاربة إلى إحدى دول أمريكا اللاتينية لم تتوقف، فقد سجل أفراد مغاربة حضورهم في المكسيك، في وظائف جامعية. وهؤلاء المغاربة قد حلوا بالمكسيك في هجرة ثانية  قادمين من الولايات المتحدة الأمركية، وهما بلدان جاران على كل حال.  كما تشهد دول من أمريكا الجنوبية هجرة مغاربة إليها يعملون في وظائف متوسطة وراقية نسبيا وهي إحدى مبررات هجرتهم إلى القارة البعيدة بالنسبة إلى المغرب، ومن تلك الدول التشيلي، والبرازيل والأرجنتين.

ألف بوست- محمد المودن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *