يُعد مغاربة إسرائيل بعد اليهود الروس، حسب أرقام حكومية إسرائيلية رسمية، إذ يبلغ عددهم حوالي مليون إسرائيلي من أصل مغربي، هاجر الأوائل منهم سنة 1948، بعد الإعلان عن تأسيس دولة إسرائيل.
وبين راضٍ عن الهجرة ومعارض لظروف العيش في إسرائيل ينقسم اليهود المغاربة، الذين اضطروا لمغادرة أصولهم، بعدما تمكنت إسرائيل من تهريب نحو 30 ألف يهودي من المغرب بشكل غير شرعي، رغم معارضة ملك المغرب آنذاك.
وكان يعيش أغلب اليهود المغاربة في وسط الأحياء العتيقة بالمدن القديمة في المغرب، ويُطلق على هذه الأحياء اسم “الملاح”، حيث كانوا يجتمعون على شكل طائفة صغيرة يمارسون مهنهم ويعيشون، وهي نفس الأحياء التي يُطلق عيلها اسم حارة اليهود في بلاد الشام.
شتات مغاربة إسرائيل
لم تكن هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل مفروشة بالورود، فقد قوبلوا بعنصريةٍ نهجتها الدولة المستقبلة تجاه يهود الشرق عموماً، وفقاً لما ذكره المؤرخ اليهودي المغربي حاييم الزعفراني في كتابه “ألف سنة من حياة اليهود بالمغرب”.
وكانت القيادة الإسرائيلية قد وضعت شروطاً لهجرة المغاربة إلى إسرائيل، إذ فضَّلت قبول الشباب المُعافين الذين يمكنهم العمل، بينما تحتّم على المسنين والمرضى أن ينتظروا دورهم لوقت طويل، بل مات كثيرون منهم قبل قبول أسمائهم.
وفور سفرهم إلى إسرائيل تمركز أغلب اليهود المغاربة في العاصمة تل أبيب، في حين اختار البعض منهم السكن في المستوطنات التي بُنيت فوق أنقاض القرى الفلسطينية في مدن حيفا ويافا، وغيرها من الأراضي الفلسطينية التي استولى عليها الإسرائيليون.
مقابل ذلك جاهد اليهود المغاربة للتوغل وسط المجتمع الإسرائيلي، إذ تزخر الساحة السياسية والاقتصادية الإسرائيلية اليوم بالأسماء من أصول مغربية، فعشرة وزراء في الحكومة الإسرائيلية هم من يهود مغاربة، إضافة إلى 20 برلمانياً داخل الكنيست الإسرائيلي، بالإضافة إلى رئيس من أصول مغربية.
وبعيداً عن السياسة يُعد المغرب هو الدولة الإسلامية التي هاجر منها أكبر عدد من اليهود إلى إسرائيل، وعرف اليهود المغاربة منذ القديم بدهائِهم في التجارة والأعمال المالية، واشتهرت أسماء يهودية مغربية في مجال السياسة وأعمال الدولة منذ القدم.
ولا يزال عدد من اليهود المغاربة في إسرائيل يمارسون مهن أجدادهم في المغرب، مثل النقش عن الحلي، الذي تُعرف به مدينة تزنيت جنوب المغرب، وهي أكبر معقل لليهود المغاربة.
ارتباط بالأصول
الارتباط الوثيق بين اليهود المغاربة وبلدهم الأم رعاه الملوك المتعاقبون على عرش المغرب، وقَننته الدولة عبر القوانين، فدُستور 2011 يعد أول دستور لبلد عربي مسلم يعترف بالثقافة اليهودية كعنصر أساسي في التعدد الثقافي بالبلاد، ويؤكد على المكون اليهودي والعبري كرافد من روافد الهوية المغربية.
“غادرت المغرب في سن الحادية عشرة، وكان السبب الرئيسي لمغادرة أسرتي هو التعليم”. يحكي جاك أزولاي، يهودي مغربي مقيم حالياً في إسرائيل لـ”عربي بوست” قائلاً: “بعد اثني عشر عاماً في الديار الكندية، غادرت أسرتي نحو إسرائيل، وبغض النظر عن التنقل والسفر بعيداً، ما زلت مغربياً مفتخراً بانتمائي، وحتى أطفالي يعتبرون أنفسهم مغاربة”.
وأضاف أزولاي الذي يعيش اليوم في العاصمة تل أبيب أن “ثقافتنا المغربية الأصيلة، مطبخنا وموسيقانا، تنمو في جيناتنا، ومهما ظل يهود المغرب في الشتات يظلون رعايا مخلصين للبلاد”.
وأبرز أزولاي حبه ومدى ارتباطه ببلده، متحدثاً عن تجلي ذلك بارتباط الجالية اليهودية المغربية في كل مكان بانتمائها المغربي، إذ قال “في كندا، لطالما كانت الجالية اليهودية المغربية ممتنة للمملكة، وسميت مكتبة مدرسة سفاردية باسم الراحل محمد الخامس، وفي إسرائيل يظهر الاعتراف بالمملكة بشكل أوضح عبر تسمية أماكن ومواقع عامة باسم الراحل الحسن الثاني”.
يقول المتحدث “على الرغم من مغادرتي للمغرب منذ عام 1964، فإنني حافظت على علاقتي بأصدقائي المسلمين في المغرب، فعلاقاتنا بأصدقائنا وجيراننا المسلمين في المغرب كانت وطيدة للغاية، وامتدت لسنوات طويلة، لا يمكن أن يمحو صداها السنوات”.
وعلى عكس أزولاي لم تكن الطريق مفروشة بالورود في رحلة السيدة حادة وأطفالها إلى إسرائيل، إذ اختارات اليوم وبعد 40 سنة من الهجرة العودة إلى وطنها الأم بحثاً عن الراحة النفسية.
حادة سبعينية يهودية من أصول مغربية، تنحدر من مدينة تيزنيت جنوب المغرب، عاشت جزءاً من حياتها داخل هذه المدينة المغربية العتيقة، التي كانت تؤوي عدداً كبيراً من اليهود المغاربة، إلى أن سافرت رفقة أبنائها إلى إسرائيل في نهاية الخمسينيات.
تقول حادة في حديثها مع “عربي بوست” إنها “قررت الهجرة إلى فرنسا، ثم إلى إسرائيل، بحثاً عن مستقبل جيد لأطفالها، لكنها لم تكُن على دراية أن هذه الهجرة ستُسهم في تشبُّع أبنائها بأفكار الغرب، وتنزع عنهم الحنان تجاه آبائهم وأصولهم، التي تربوا عليها في أحياء مدينة تيزنيت العتيقة”.
تقول حادة إنها “قررت العودة للمغرب ولمنزلها في الطابق السفلي في مدينة تزنيت، بحثاً عن الراحة النفسية التي لم تجدها في إسرائيل، كما أن الجيران الآن هم من يخدمونها ويُلبون طلباتها، في انتظار زيارات أبنائها، الذين شغلت كل واحد منهم أسرته”.
الأم والجدة حادة التي عاشت في مدينة تل أبيب تقول إن “اليهود المغاربة يختلفون عن اليهود الإسرائيليين، فهناك الحياة مثل الآلة لا روح فيها، والصراع عن الأرض أنهك الشعبين معاً، الإسرائيلي والفلسطيني، رغم أننا زائلون والأرض ثابتة”.
ويعود تقدير اليهود المغاربة للمؤسسة الملكية بسبب موقف الملك الراحل محمد الخامس، الذي رفض تسليم اليهود لحكومة “فيشي”، التي تعاونت مع نظام الحكم الألماني خلال الحرب العالمية الثانية. كما أن الجنسية المغربية قانونياً “لا تسقط” عن حاملها، وهو ما يُبقي نحو مليون يهودي من أصل مغربي يعيشون في إسرائيل محتفظين بجنسيتهم المغربية.
في هذا الصدد، تقول الصحفية المغربية غزلان الطيبي، إن “الجالية المغربية في إسرائيل ستتقرب أكثر من بلدها الأم المغرب، البلد الذي يسكنهم دائماً ويعيشون مغربيتهم في كل تفاصيل حياتهم هناك، في يومياتهم وفي أعراسهم ومتمسكون بالمغرب والمؤسسة الملكية بسبب الدور الذي لعبه الملوك في حمايتهم، بدءاً من محمد الخامس، الذي حماهم في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وأيضاً الملكان الحسن الثاني ومحمد السادس، لحرصهما على تحصين حقوق اليهود المغاربة”.
آثار التطبيع
اعتاد مغاربة إسرائيل السفر إلى بلادهم عن طريق فرنسا أو إسبانيا، أو إحدى الدول الأوروبية، التي تكون منتصف الطريق، بسبب إقفال الرحلات الجوية من طرف المغرب باتجاه إسرائيل لأكثر من 20 سنة.
تقول أوريت كوهن، واحدة من اليهود المغاربة في إسرائيل، في حديثها لـ”عربي بوست”، إن “المغاربة اليهود يسافرون إلى المغرب في زيارات سنوية لمن بقي هناك من أسلافهم، والشباب يذهبون للتعرف على أصولهم وهويتهم”.
وأضافت المتحدثة “لقد ولدت في إسرائيل، لكن حب المغرب يجري في دمي بفضل تربية أهلنا لنا على حب الوطن الأم، وأستعد الآن لأعود إلى المغرب في زيارة مطولة هذه المرة، أظن ستصبح زياراتنا بدون مخاوف، سنزور مقابر أسلافنا ونستمتع بطبيعة المغرب وضيافة أهله بشكل أفضل”.
من جهتها ترى الصحفية المغربية غزلان طيبي لـ”عربي بوست” أن “زيارات اليهود المغاربة عموماً والقاطنين منهم في إسرائيل خاصة لم تنقطع أبداً، فقد كانوا يأتون سنوياً بالآلاف، لكنها اليوم وبسبب التطبيع ستتكثف وتنظم بشكل أسهل، وسيكون موسم “الهيلولا” كما العادة سبباً لحج اليهود عبر العالم إلى المغرب”.
وكشفت الصحفية المغربية أن “اليهود المغاربة المقيمين في إسرائيل سيحجون إلى المغرب للاحتفال بذكرى وفاة حاخام قديس (يوجد لهم ما يناهز 600 مزار بالمدن المغربية)، والذي عرف بدوره الديني الكبير، بعيد الفصح اليهودي، وهي مناسبة حرصت السلطات المغربية منذ القديم على مرورها في أجواء آمنة ومنظمة في الأماكن، حيث تنظم في كل الجهات المغربية، والآن سيصبح الإقبال عليها أكبر”.
وعن إمكانية عودة اليهود المغاربة من إسرائيل إلى المغرب، علقت المتحدثة بالقول إنه “يمكن أن تأتي حالات استثنائية لكن أن تحدث هجرة بأرقام كبيرة فلا أظن، هناك مدرسة تلمودية استقطبت بعض التلاميذ الإسرائيليين بسبب السمعة الجيدة لهذا النوع من المدارس في المغرب، لكنها تبقى أعداداً ضئيلة إلى حدود الساعة”.
المصدر: arabicpost.net