تحمل تركيبة التعيينات الاخيرة لصاحب الجلالة اسماء بعض السفراء الذين خلقوا ضجة بين المجتمع المغربي وبين المسؤولين لعدم فهمهم كيفية اقتراح إسم سميرة سيطايل سفيرة للمملكة المغربية بفرنسا ، و خصوصا و أنها تحمل الجنسية الفرنسية و ذلك بجنسيتها المزدوجة سيكون ولاؤها “مزدوجا” كذلك. فإزدواجية الجنسية تعتبر ازدواجية الولاء لا يمكن أن تحقق، فإما أن يكون ولاؤها لبلدها الأم أو للبلد الذي اختارت هي أن تكون من مواطنيه بمحض إرادتها.
فكيف يمكن لمسؤول عال بالدولة المغربية أن يمثل بلده الأم أحسن تمثيل في مفاوضات مع البلد الذي يحمل جنسيته. إذن لمن سيكون إخلاصه؟ هل للبلد الذي أدى القسم أن يكون مخلصا له وللمبادئ التي ينص عليها دستوره، والذي يحمل جنسيته ؟ أولبلده الأم الذي هو مسؤول فيه ويمثله رسميا ؟ ولنضرب مثلا ملموسا يتذكره المغاربة حول حمل وزراء و سياسيين مغاربة لجنسيات اجنبية ،هي إعفاء الملك سنة 2008 ، لكاتب الدولة آنذاك في الخارجية و المستشار البرلماني أحمد الخريف، بسبب حمله للجنسية الإسبانية.
مثال آخر. إذا افترضنا أن وزير المغاربة المقيمين بالخارج له جنسية هولندية، وحصل كماحدث في 2015 أو 2016 لمغاربة هولندا حول إشكالية التعويضات العائلية. فما سيكون موقف الوزير ؟ مع المغرب أو مع هولندا ؟ ! أو رجل هنا ورجل هناك ؟ !
مثال آخر. إذا افترضنا أن وزيرا مغربيا له جنسية أميركية. وحدث أن قام بعمل ما، فيه إخلال بالقانون المغربي أو استهتار بمسؤولياته، واستوجب اعتقاله أو حبسه أو…ثم تدخلت الحكومة الأميركية مطالبة بإطلاق سراحه فورا. فما سيكون موقف المغرب في هذه النازلة ؟ وقد وقعت بالفعل حادثة في العراق شبيهة بهذا المثال، حيث كان وزير الكهرباءفي إحدى حكومات الإحتلال ، قد اختلس أموالا ، وأرادت الحكومة العراقية (على علاتها) اعتقاله، لكن الطائرات الأميركية كانت أسرع منها وهربته. وهو الآن يعيش مرتاحا في أميركا.
هل يجوز مثلا لرشيدة داتي وزيرة العدل السابقة في فرنسا (حكومة ساركوزي) أن تعين وزيرة بحكومة مغربية ؟ أو نجاة بلقاسم وزيرة التربية الوطنية في الحكومة الفرنسيةالسابقة، حكومة الرئيس هولاند، مثلا ؟ أو حتى عمير بيريتس وزير الحربية السابق في إسرائيل، هل يجوز له أن يكون وزيرا في حكومة مغربية، مثلا ؟ علما أن الدستور و القانونالمغربيين لا يسقطان الجنسية المغربية عن صاحبها مهما كان.
و لأن وبقوة الدستور أو القانون ليس هناك ما يمنع من تعيينهم وزراء في أي حكومة مغربية… ولكن ما يضمن ولاءهم للمغرب ؟ !
و رغم أن وزير الشؤون الخارجية و التعاون و المغاربة المقيمين بالخارج السيد ناصر بوريطة فضل تعيين موظفين من الخارجية في مناصب القناصلة و السفراء و وضع حد من تعيين سفراء من الاحزاب إلا أن المتتبعين للسياسة الخارجية أكدوا أن الاختيار هو للمستشار الملك فؤاد عالي الهمة الذي أوصى بتعيين سميرة سيطايل في هذا المنصب و ما كان لبوريطة الا الاستجابة لأمره و اقتراح تعيينها كسفيرة للمغرب بفرنسا.
فموضوع تعدد الجنسيات بالنسبة للمسؤولين المغاربة شديد الحساسية و يدخل ضمن الطابوهات القانونية والسياسية، رغم ان وزراء مغاربة آخرين يتوفرون على جنسيات أجنبية ، و ذلك بفعل السنين الطويلة التي قضوها في الدراسة أو العمل في أوربا أو أمريكا، كما أن عدداً من الوزراء والامناء العامين والمسؤولين والمنتخبين المغاربة يحملون أكثر من جنسية، وهذا الأمر إذا لم يكن يطرح مشكلا دستوريا، بالنظر إلى أن واضع الدستور المغربي لم يمنع متعددي الجنسية من تولي المناصب والانتدابات الانتخابية كما ذهب الى ذلك الدستور التونسي الذي اشترط فصله 74 على المترشحين لرئاسة الجمهورية بالتخلي عن جنسيتهم الثانية في حال فوزهم بالانتخابات وتضمينها في ملف الترشح. الا ان تعدد الجنسيات وعلاقتها بالمناصب السيادية تطرح مشكلا اخلاقيا وتهديدا امنيا محتملا، خصوصا إذا تعلق الامر بمنصب امني او قضائي او ديبلوماسي.
هذا فإن الحامل لجنسية بلده يراعي في هذا المنصب الذي يطلع بموجبه على خبايا واسرار الدولة مصالح الدولة التي يحمل جنسيتها، وهو ما لا يتصور مع مسؤول يحمل اكثر من جنسية حيث الولاء للوطن يكون بشراكة مع وطن غيره أو شعب اخر غير الشعب المغربي.
و ربما آن الأوان لوضع قانون يحرم صراحة متعددي الجنسية من تولي بعض المناصب السيادية من بينها منصب رئيس الحكومة، ومنصبي كل من رئيسي غرفتي البرلمان، وأعضاء الحكومة، ورئيس المحكمة الدستورية، والمسؤولين القضائيين ورؤساء المؤسسات الدستورية والوظائف القيادية في المؤسستين الأمنية والعسكرية والسفراء و القناصلة ومدراء المؤسسات العمومية وعدد آخر من المناصب الحساسة.
و رغم ذلك فالمسار الدراسي للسفيرة سميرة سيطايل لا يؤهلها بأن تكون سفيرة بفرنسا في الوقت الذي تعين فيه المملكة العربية السعودية أمراء في هذا المنصب ، فكما نعلم فهي ليست استاذة جامعية أو حاصلة على شهادة الدكتوراه ، فهي لم تتعدى الاجازة في اللغة الانجليزية حصلت على إثرها على وظيفة مسؤولة عن الاخبار في القناة الثانية التي أظهرت من خلالها على توجهها العلماني الفرنكفوني معادية التعريب و للدين،
واشتهرت سميرة سيطايل بمواقفها السياسية المثيرة للجدل والنقاش، حيث لم تخفِ عداءها للتيار الإسلامي بالمغرب، والذي حملته المسؤولية المعنوية لأحداث 16 ماي 2003 الإرهابية بالدار البيضاء، إضافة إلى دخولها في مواجهة مباشرة مع رئيس الحكومة السابق عبد الإله ابن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، ووزيره في الاتصال السابق وزميله في الحزب مصطفى الخلفي، في قضية ما عرِف بـ »دفاتر تحملات القطب العمومي »، حيث عبرت عن رفضها الشديد لمقتضيات هذه الدفاتر، معتبرة إياها نية مبيتة لقتل القناة الثانية، والتي كانت تتحمل فيها مسؤولية مديرية الأخبار.
كما أثارت تصريحاتها حول هوية المغرب في برنامج “صباح الخير رشيد” على أمواج إذاعة«أصوات» بالفرنسية جدلا كبيرا، حيث قالت «نحن بلد مغاربي وليس عربيا، ويجب أن نفتخر بذلك. نحن ماشي دولة عربية أقولها وأتحمل مسؤوليتي.. نحن تاريخيا بلدأمازيغي» واعتبر المنتقدين هذه التصريحات تصور اختزالي مبسط جدا لهوية مركبة، لأن ما يؤكده التاريخ هو وجود امتداد جيو–حضاري اسمه المغرب العربي حسب التسمية الحديثة، واسمه الغرب الإسلامي حسب التسمية القديمة.
وكلنا على علم بالسابقة التي جرت في هذا الباب حينما بلغت وقاحة أو إستهتار شخص معين كان عضوا سابقا في حكومة سابقة وفي وزارة سيادية أن تجرأ على طلب جنسية دولة أوروبية، فما كان من جلالة الملك إلا أن عزله حينا. وما رأي فقهائنا الدستوريين فيمغربي يحمل جنسية أجنبية لبلد ما وعين سفيرا للمغرب في هذا البلد ؟ إلى من سيكون ولاؤه ؟ إلى بلد الإقامة بلد التجنس، أم البلد الأم أي المغرب ؟ وما يضمن أن لا يجنده البلد الحامل لجنسيته بالإكراه أكان ترهيبا أو ترغيبا أو بمحض الإرادة ؟ !
بوشعيب البازي
ll lll